فصل: حروب الخوارج مع عبد الملك والحجاج.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.خبر ابن الحر ومقتله.

كان عبيد الله بن الحر الجعفي من خيار قومه صلاحا وفضلا ولما قتل عثمان حزن عليه وكان مع معاوية على علي وكانت له زوجة بالكوفة فتزوجت لطول مغيبه فأقبل من الشام وخاصم زوجها إلى علي فعدد عليه شهوده صفين فقال: أيمنعني ذلك من عدلك؟ قال: لا ورد إليه إمرأته فرجع إلى الشام وجاء إلى الكوفة بعد مقتل علي ولقي إخوانه وتفاوضوا في النكير على علي ومعاوية ولما قتل الحسين تغيب على ملحمته وسأل عنه ابن زياد فلم يره ثم لقيه فأساء عذله وعرض له بالكون مع عدوه فأنكر وخرج مغضبا وراجع ابن زياد رأيه فيه فطلبه فلم يجده فبعث عنه فامتنع وقال: أبلغوه أني لا آتيه طائعا أبدا وأتى منزل أحمد بن زياد الطائي فاجتمع إليه أصحابه وخرج إلى المدائن ومضى لمصارع الحسين وأصحابه فاستغفر لهم ولما مات يزيد وقعت الفتنة اجتمع إليه أصحابه وخرج بنواحي المدائن ولم يعترض للقتل ولا للمال إنما كان يأخذ مال السلطان متى لقيه فيأخذ منه عطاء أصحابه ويرد الباقي ويأخذ لصاحب المال بما أخذ وحبس المختار امرأته بالكوفة وجاء فأخرجها من الحبس وأخرج كل من فيه وأراد المختار أن يسطو به فمنعه إبراهيم محمد الأشتر إلى الموصل لقتال ابن زياد ثم فارقه ولم يشهد معه وشهد مع مصعب قتال المختار وقتله ثم أغرى به مصعب فحبسه وشفع فيه رجال من وجوه مذحج فشفعهم وأطلقه وأتى إليه الناس يهنؤنه فصرح بأن أحدا لا يستحق بعد الأربعة ولا يحل أن يعقد لهم بيعة في أعناقنا فليس لهم علينا من الفضل ما يستحقنه به ذلك وكلهم عاص مخالف وقوي الدنيا ضعيف الآخرة ونحن أصحاب الأيام مع فارس ثم لا يعرف حقنا وفضلنا وإني قد أظهرت لهم العداوة وخرج للحرب فأغار فبعث إليه مصعب سيف بن هانئ المرادي يعرض عليه الطاعة على أن يعطيه قطعة من بلاد فارس فأبى فسرح إليه الأبرد بن فروة الرباحي في عسكر فهزمه عبيد الله فبعث إليه حريث بن زيد فهزمه فقتله فبعث إليه الحجاج بن حارثة الخثعمي ومسلم بن عمر فقاتلهما بنهر صرصر وهزمهما فأرسل إليه مصعب بالأمان والولاية فلم يقبل وأتى إلى فارس فهرب دهقانها بالمال وتبعه ابن الحر إلى عين التمر وعليه بسطام بن معقلة بن هبيرة الشيباني فقاتل عبيد الله وأوفاهم الحجاج بن حارثة فهزمهما عبيد الله وأسرهما وأخذ المال الذي مع الدهقان وأقام بتكريت ليحيي الخراج فسرح مصعب لقتاله الأبرد ابن فروة الرباحي والجون بن كعب الهمداني في ألف وأمدهم المهلب بيزيد بن المعقل في خمسمائة وقاتلهم عبيد الله يومين في ثلثمائة ثم تحاجزوا وقال لأصحابه: إني سائر بكم إلى عبد الملك فتجهزوا! ثم قال: إني خائف أن أموت ولم أذعر مصعبا وقصد الكوفة وجاءته العساكر من كل جهة ولم يزل يهزمهم ويقتل منهم بنواحي الكوفة والمدائن وأقام يغير بالسواد ويجبي الخراج ثم لحق بعبد الملك فأكرمه وأجلسه معه على سريره وأعطاه مائة ألف درهم وقسم في أصحابه الأعطيات وسأل من عبد الملك أن يوجه معه عسكرا لقتال مصعب فقال: سر بأصحابك وادع من قدرت عليه وأنا ممدك بالرجال فسار نحو الكوفة ونزل بناحية الأنبار وأذن لأصحابه في إتيان الكوفة ليخبروا أصحابه بقدومه وبعث الحرث بن أبي ربيعة إليه جيشا كثيفا فقاتلهم وتفرق عنه أصحابه وأثخنه الجراح فخاض البحر إلى سفينة فركبها حتى توسط الفرات فأشرف خيل على السفينة وتبادروا به فقام يمشي في البحر فتعلقوا به فألقى نفسه في الماء مع بعضهم فغرقوه.

.حروب الخوارج مع عبد الملك والحجاج.

ولما استقر عبد الملك بالكوفة بعد قتل مصعب بعث على البصرة خالد بن عبد الله وكان المهلب يحارب الأزارقة فولاه على خراج الأهواز وبعث أخاه عبد العزيز بن عبد إلى قتال الخوارج ومعه مقاتل بن مسمع وأتت الخوارج من ناحية كرمان إلى دار ابجرد وبعث قطري بن الفجاءة صالح بن مخراق في تسعمائة فاستقبل عبد العزيز ليلا على غير تعبية فانهزم وقتل مقاتل بن مسمع وأسرت بنت النذر بن الجارود إمرأة عبد العزيز فقتلها الخوارج وتغير عبد العزيز إلى رامهرمز وكتب خالد بالخبر إلى عبد الملك فكتب إليه على ولاية أخيه الحرب وولاية المهلب جباية الخراج وأمره بأن يسرح المهلب بحربهم وكتب إلى بشر بالكوفة بإمداده بخمسة آلاف مع من يرضاه فإذا فرغوا من قتال الخوارج ساروا إلى الري فكانوا هنالك مسلحة فأنفذ بشر العسكر وعليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وكتب له عهده على الري وخرج خالد بأهل البصرة ومعه المهلب واجتمعوا بالأهواز وجاءت الأزارقة فأحرقوا السفن ومر المهلب بعبد الرحمن بن الأشعث وأمره أن يخندق عليه وأقاموا كذلك عشرين ليلة ثم زحف الخوارج بالناس فهال الخوارج كثرتهم وانصرفوا وبعث خالد داود قحدم في آثارهم وانصرف إلى البصرة وكتب بالخبر إلى عبد الملك فكتب إلى أخيه بشر أن يبعث أربعة آلاف من أهل الكوفة إلى فارس ويلحقوا بداود بن قحدم في طلب الأزارقة فبعث بهم بشر بن عتاب ولحقوا بداود واتبعوا الخوارج حتى أصابهم الجهد ورجع عامتهم مشاة إلى الأهواز ثم خرج أبو فديك من بني قيس بن ثعلبة فغلب على البحرين وقتل نجدة بن عامر الحنفي كما مر وهزم خالدا فكتب إلى عبد الملك بذلك وأمر عبد الملك عمر بن عبيد الله بن معمر أن يندب الناس من أهل الكوفة والبصرة ويسير لقتال أبي فديك فانتدب معه عشرة آلاف وسار بهم وأهل الكوفة علىلا ميمنته عليهم محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله وأهل البصرة في ميسرته عليهم عمر بن موسى أخيه وهو في القلب وانتهوا إلى البحرين واصطفوا للقتال وحملوا على أبي فديك وأصحابه فكشفوا ميسرته حتى أبعدوا إلا المغيرة بن المهلب ومجاعة وعبد الرحمن وفرسان الناس فإنهم مالوا إلى أهل الكوفة بالميمنة ورجع أهل الميسرة وحمل أهل الميمنة على الخوارج واستباحوا عسكرهم وقتلوا أبا فديك وحصروا أصحابه بالمشقر حتى نزلوا فقتل منهم ستة آلاف وأسر ثمانمائة وذلك سنة ثلاث وسبعين ثم ولى عبد الملك أخاه بشرا على البصرة فسار إليها وأمره أن يبعث المهلب إلى حرب الأزارقة وأن ينتخب من أهل البصرة من أراد ويتركه ورأيه في الحرب ويمده بعسكر من أهل الكوفة مع رجل معروف بالنجدة فبعث المهلب لانتخاب الناس جديع بن قبيصة وشق على بشر أن ولاية المهلب من عبد الملك وأوغرت صدره فبعث على عسكر الكوفة عبد الرحمن ابن مخنف وأغراه بالمهلب في ترك مشورته وتنغصه وسار المهلب إلى رامهرمز وبها الخوارج وأقبل ابن مخنف في أهل الكوفة فنزل على ميل منه بحيث يتراءى العسكران ثم أتاهم نبأ بشر ابن مروان وأنه استخلف خالد بن عبد الله بن خالد على البصرة وخليفته على الكوفة عمر بن حريث فاقترق ناس كثيرة من أهل البصرة وأهل الكوفة فنزلوا فنزلوا الأهواز وكتب إليهم خالد بن عبد الله يتهددهم فلم يلتفتوا إليه وأقبل أهل الكوفة إلى الكوفة وكتب إليهم عمر بن حريث بالنكير والعود إلى المهلب ومنعهم الدخول فدخلوا ليلا إلى بيوتهم ثم قدم الحجاج أميرا على العراقين سنة خمس وسبعين فخطب بالكوفة خطبته المعروفة كان منها: ولقد بلغني رفضكم المهلب وإقبالكم إلى مصركم عاصين مخالفين وأيم الله لا أجد أحدا من عسكره بعد ثلاثة إلا ضربت عنقه وأنهب داره ثم دعا العرفاء وقال ألحقوا الناس بالمهلب وأتوني بالبراءة بموافاتهم ولا تغلقن أبواب الجسر ووجد عمر بن ضابئ من المتخلفين وأخبر أنه من قتله عثمان فقتله فأخر جند المهلب وازدحموا على الجسر وجاء العرفاء إلى المهلب برامهرمز فأخذوا كتابه بموافاة الناس وأمرهم الحجاج بمناهضة الخوارج فقاتلهم شيئا ثم انزاحوا إلى كازرون وسار المهلب وابن مخنف فنزلوا بهم وخندق المهلب ولم يخندق إبن مخنف وبيتهم الخوارج فوجدوا المهلب حذارا فمالوا إلى ابن مخنف فانهزم عنه أصحابه وقاتل حتى قتل وفي حديث أهل الكوفة أنهم لما ناهضوا الخوارج مالوا إلى المهلب واضطروه إلى معسكر وأمده عبد الرحمن بعامة عسكره وبقي في خف من الجند فمال إليه الخوارج فنزل ونزل معه القراء واحد وسبعون من أصحابه فقتلوا وجاء المهلب من الغد فدفنه وصلى عليه وكتب بالخبر إلى الحجاج فبعث على معسكره عتاب بن ورقاء وأمره بطاعة المهلب فأجاب لذلك وفي نفسه منه شيء وعاتبه المهلب يوما ورفع إليه القضيب فرده ابنه المغيرة عن ذلك وكتب عتاب يشكو المهلب إلى الحجاج ويسأله العود وصادف ذلك أمر شبيب فاستقدمه وبقي المهلب.